Admin
05-09-2010, 11:37 AM
الإمام ناصر محمد اليماني
26 - 09 - 1431 هـ
04 - 09 - 2010 مـ
11:54 صباحاً
[ لمتابعة رابط المشاركة الأصليّة للبيان ]
(https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531)https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531 (https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531)
ـــــــــــــــــــــ
بيان حقيقة الكتاب المُبين الذي فيه مفاتيح الغيب ويخصّ علّام الغيوب ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين جدّي النبيّ الأميّ الأمين وآله الأطهار والسابقين الأنصار في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدّين..
أحبتي في الله، إنّه يوجد كتابٌ يُسمَّى (الكتاب المبين) خلقه الله من بعد العرش العظيم؛ بل هو أوّل شيءٍ خلقه اللهُ والقلمَ من بعد عرشه العظيم، فأمر القلم أن يكتب فنطق القلم وقال: وما أكتب؟ قال: اكتب شيئاً ليس كمثله شيءٌ ولا قبله شيءٌ: ((اللَّـه النّعيم الأعظم))، ثمّ كتب الذي ما هو دون ذات الله سبحانه سدرة المُنتهى العرش العظيم، ثمّ كتب ما هو دون سدرة المُنتهى وهي جنّة المأوى عرضها كعرض السماوات والأرض، ثمّ الذي يليه ثمّ الذي يليه ثمّ كتب ما كان وما سيكون من الأحداث الصُغرى والكُبرى إلى يوم الدّين تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
ثمّ استنسخ فيه علم غيب؛ أعمال عبيده أجمعين، تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
وذلك لأنّ أصحاب النّار جميعاً سيَرفعُ كُلُّ واحدٍ منهم قضيةً على ما كتبه عليه الملك عتيدٌ فيُنكرون جميعاً ما عملوه من السوء ويبدأون في الإنكار من بعد موتهم مباشرةً ويوم القيامة وقال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [النحل].
والإنكار منهم حدث مباشرةً من بعد موتهم حين توفاهم المَلَكُ عتيدٌ ومساعده المَلَكُ رقيبٌ فأنكروا جميع أعمال السوء التي كتبها عليهم الملك عتيدٌ وقالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ}. ومن ثمّ ردّ عليهم المَلَك عتيدٌ والشاهد على براءته من الإفك الملك رقيبٌ ردّوا على المُنكرين لأعمال السوء التي كتبها الملك عتيدٌ وقالوا: {بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم.
بمعنى أنّهم ردُّوا الحُكم إلى علّام الغيوب الذي عَلِمَ المُستقدِمين من عباده وعَلِم المستأخِرين وعَلِم بما سوف يعملون في عِلم الغيب من قبل أن يخلقهم تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم [الحجر].
حتى إذا جاءوا ربَّهم يوم الدّين وهم السائق وخصمه والشاهد، فأمّا السائق فهو الملك عتيدٌ يسوق خصمه الإنسان إلى الله ليحكم بينهما هل ظلم عتيدٌ الإنسانَ في شيءٍ وكَتب عليه ما لم يفعل؟ وأمّا الشاهد فهو الملك رقيبٌ كونه كان حاضراً حين فَعَل الإنسانُ السوءَ غير أنّه ليس مُكلَّفاً بكتابة أعمال السوء ولذلك أصبح دوره شاهداً بالحقّ، ولكنّ الإنسان من الذين ظلموا أنفسهم ينكر ما كتبه عليه الملك عتيدٌ من السوء وكذلك يطعن في شهادة الشاهد الملك رقيب، ومن ثمّ يُخرج الله الكتاب المُبين كتاب عِلم الغيب الذي يخصه سبحانه وتعالى علواً كبيراً وقال الله تعالى: {هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [الجاثية].
وبما أن العبيد أصحاب أعمال السوء يعلمون أنّ الملك عتيداً وشاهده رقيباً لم يظلموهم شيئاً حتى إذا وَضع اللهُ كتابَه تنزّل من ذات العرش لكي تتمّ المُطابقة بين ما فيه من علم الغيب للأعمال وبين ما في كتاب الملَك عتيد، وبما أنّ أصحاب أعمال السوء يعلمون أنّ الحفظة لم يظلموهم شيئاً ولذلك فهم مشفقون في أنفسهم مما فيه وقال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
وإنّما قال المُجرمون ذلك في أنفسهم ولم تنطق به ألسنتهم بل قالوا في أنفسهم: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}، ولكنهم لم يجدوا غير الاستمرار في الإنكار بأنّهم لم يعملوا شيئاً من السوء فيحلفون بالله للهِ ظناً منهم أنّ الذي كتب ذلك الكتاب المُبين إنّما هو مَلَكٌ آخرُ كمثل الملَك عتيد، فلم يعلموا أنّ الذي كتب الكتاب المُبين أنّه الله علّام الغيوب الذي علِم بما سوف يفعلون من السوء من قبل أن يفعلوه، وبما أنّهم لا يعلمون أنّ الكتاب المبين يخصّ الله فطعنوا في صحته وحلفوا لله بالله وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [المجادلة].
ومن ثمّ يزداد غضب الله عليهم فيَختِم على أفواههم لتتكلَّم أيديهم وأرجلهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾} صدق الله العظيم [يس].
ومن بعد أن تشهد عليهم أطرافهم فهُنا يئسوا أنّهم يستطيعون الاستمرار في الإنكار، ثمّ يُطلِق الله أفواههم لكي يُخاطبوا أيديهم وأرجلهم وجلودهم وقال الله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢١﴾} صدق الله العظيم [فصلت].
ومن ثمّ خاطبهم الله تعالى وقال علّام الغيوب: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّـهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢٢﴾} صدق الله العظيم [فصلت].
ومن ثمّ يَصدر الأمر من الله الواحد القهّار إلى الملَكين الموكلين بالإنسان من البداية إلى النهاية وهم رقيبٌ وعتيدٌ، ثمّ يقول الله للملَك عتيدٍ والملَك رقيبٍ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [ق].
ولكن الشيطان لا يزال في جسد ذلك الإنسان فهما روحان في جسدٍ واحدٍ وهم في العذاب مشتركون، ففزع الشيطان قرين الإنسان حين سمع الرحمن أصدر الأمر إلى الملكين عتيد ورقيب: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم.
ومن ثمّ نطق الشيطان قرين ذلك الإنسان مُحاولاً تبرئة نفسه وقال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٢٧﴾ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴿٢٨﴾ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴿٣٠﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴿٣٦﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [ق].
ومن ثمّ يقول الإنسان لقرينه الشيطان الذي أضلَّه عن الصراط المستقيم في الحياة الدنيا: {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} صدق الله العظيم [الزخرف:38].
وذلك لأنّه مسٌّ في جسده متلازمان فهما في العذاب مشتركان، ولا نقصد مسوس المرضى الذين يُمرِضهم الشياطين الذين ابتلاهم الله من المؤمنين فلا نقصد هذا النوع من المسّ؛ بل يقصد الله مسّ الإيقاض بسبب الغفلة، ولا نقصد به مسوس المرضى على الإطلاق من المؤمنين الذين تؤذيهم مسوس الشياطين بل نقصد مسّ إيقاض، وهو الشيطان الذي يقيّضه الله للإنسان الذي يُعرِض عن ذِكره فيعيش في غفلةٍ عن ذِكر ربّه وقال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿٣٦﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٣٧﴾ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].
ولذلك قال الإنسان لقرينه الشيطان : {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}.
وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [ق].
اللهم قد بيَّنت اللهم فاشهد، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين ..
مُعلِّم البيان الحقّ للقرآن بالقرآن؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني .
____________________
26 - 09 - 1431 هـ
04 - 09 - 2010 مـ
11:54 صباحاً
[ لمتابعة رابط المشاركة الأصليّة للبيان ]
(https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531)https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531 (https://mahdialumma.xyz/showthread.php?p=7531)
ـــــــــــــــــــــ
بيان حقيقة الكتاب المُبين الذي فيه مفاتيح الغيب ويخصّ علّام الغيوب ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين جدّي النبيّ الأميّ الأمين وآله الأطهار والسابقين الأنصار في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدّين..
أحبتي في الله، إنّه يوجد كتابٌ يُسمَّى (الكتاب المبين) خلقه الله من بعد العرش العظيم؛ بل هو أوّل شيءٍ خلقه اللهُ والقلمَ من بعد عرشه العظيم، فأمر القلم أن يكتب فنطق القلم وقال: وما أكتب؟ قال: اكتب شيئاً ليس كمثله شيءٌ ولا قبله شيءٌ: ((اللَّـه النّعيم الأعظم))، ثمّ كتب الذي ما هو دون ذات الله سبحانه سدرة المُنتهى العرش العظيم، ثمّ كتب ما هو دون سدرة المُنتهى وهي جنّة المأوى عرضها كعرض السماوات والأرض، ثمّ الذي يليه ثمّ الذي يليه ثمّ كتب ما كان وما سيكون من الأحداث الصُغرى والكُبرى إلى يوم الدّين تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
ثمّ استنسخ فيه علم غيب؛ أعمال عبيده أجمعين، تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
وذلك لأنّ أصحاب النّار جميعاً سيَرفعُ كُلُّ واحدٍ منهم قضيةً على ما كتبه عليه الملك عتيدٌ فيُنكرون جميعاً ما عملوه من السوء ويبدأون في الإنكار من بعد موتهم مباشرةً ويوم القيامة وقال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [النحل].
والإنكار منهم حدث مباشرةً من بعد موتهم حين توفاهم المَلَكُ عتيدٌ ومساعده المَلَكُ رقيبٌ فأنكروا جميع أعمال السوء التي كتبها عليهم الملك عتيدٌ وقالوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ}. ومن ثمّ ردّ عليهم المَلَك عتيدٌ والشاهد على براءته من الإفك الملك رقيبٌ ردّوا على المُنكرين لأعمال السوء التي كتبها الملك عتيدٌ وقالوا: {بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} صدق الله العظيم.
بمعنى أنّهم ردُّوا الحُكم إلى علّام الغيوب الذي عَلِمَ المُستقدِمين من عباده وعَلِم المستأخِرين وعَلِم بما سوف يعملون في عِلم الغيب من قبل أن يخلقهم تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴿٢٣﴾ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم [الحجر].
حتى إذا جاءوا ربَّهم يوم الدّين وهم السائق وخصمه والشاهد، فأمّا السائق فهو الملك عتيدٌ يسوق خصمه الإنسان إلى الله ليحكم بينهما هل ظلم عتيدٌ الإنسانَ في شيءٍ وكَتب عليه ما لم يفعل؟ وأمّا الشاهد فهو الملك رقيبٌ كونه كان حاضراً حين فَعَل الإنسانُ السوءَ غير أنّه ليس مُكلَّفاً بكتابة أعمال السوء ولذلك أصبح دوره شاهداً بالحقّ، ولكنّ الإنسان من الذين ظلموا أنفسهم ينكر ما كتبه عليه الملك عتيدٌ من السوء وكذلك يطعن في شهادة الشاهد الملك رقيب، ومن ثمّ يُخرج الله الكتاب المُبين كتاب عِلم الغيب الذي يخصه سبحانه وتعالى علواً كبيراً وقال الله تعالى: {هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [الجاثية].
وبما أن العبيد أصحاب أعمال السوء يعلمون أنّ الملك عتيداً وشاهده رقيباً لم يظلموهم شيئاً حتى إذا وَضع اللهُ كتابَه تنزّل من ذات العرش لكي تتمّ المُطابقة بين ما فيه من علم الغيب للأعمال وبين ما في كتاب الملَك عتيد، وبما أنّ أصحاب أعمال السوء يعلمون أنّ الحفظة لم يظلموهم شيئاً ولذلك فهم مشفقون في أنفسهم مما فيه وقال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
وإنّما قال المُجرمون ذلك في أنفسهم ولم تنطق به ألسنتهم بل قالوا في أنفسهم: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}، ولكنهم لم يجدوا غير الاستمرار في الإنكار بأنّهم لم يعملوا شيئاً من السوء فيحلفون بالله للهِ ظناً منهم أنّ الذي كتب ذلك الكتاب المُبين إنّما هو مَلَكٌ آخرُ كمثل الملَك عتيد، فلم يعلموا أنّ الذي كتب الكتاب المُبين أنّه الله علّام الغيوب الذي علِم بما سوف يفعلون من السوء من قبل أن يفعلوه، وبما أنّهم لا يعلمون أنّ الكتاب المبين يخصّ الله فطعنوا في صحته وحلفوا لله بالله وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [المجادلة].
ومن ثمّ يزداد غضب الله عليهم فيَختِم على أفواههم لتتكلَّم أيديهم وأرجلهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾} صدق الله العظيم [يس].
ومن بعد أن تشهد عليهم أطرافهم فهُنا يئسوا أنّهم يستطيعون الاستمرار في الإنكار، ثمّ يُطلِق الله أفواههم لكي يُخاطبوا أيديهم وأرجلهم وجلودهم وقال الله تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢١﴾} صدق الله العظيم [فصلت].
ومن ثمّ خاطبهم الله تعالى وقال علّام الغيوب: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّـهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢٢﴾} صدق الله العظيم [فصلت].
ومن ثمّ يَصدر الأمر من الله الواحد القهّار إلى الملَكين الموكلين بالإنسان من البداية إلى النهاية وهم رقيبٌ وعتيدٌ، ثمّ يقول الله للملَك عتيدٍ والملَك رقيبٍ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [ق].
ولكن الشيطان لا يزال في جسد ذلك الإنسان فهما روحان في جسدٍ واحدٍ وهم في العذاب مشتركون، ففزع الشيطان قرين الإنسان حين سمع الرحمن أصدر الأمر إلى الملكين عتيد ورقيب: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم.
ومن ثمّ نطق الشيطان قرين ذلك الإنسان مُحاولاً تبرئة نفسه وقال الله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٢٧﴾ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴿٢٨﴾ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴿٣٠﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴿٣٦﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [ق].
ومن ثمّ يقول الإنسان لقرينه الشيطان الذي أضلَّه عن الصراط المستقيم في الحياة الدنيا: {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} صدق الله العظيم [الزخرف:38].
وذلك لأنّه مسٌّ في جسده متلازمان فهما في العذاب مشتركان، ولا نقصد مسوس المرضى الذين يُمرِضهم الشياطين الذين ابتلاهم الله من المؤمنين فلا نقصد هذا النوع من المسّ؛ بل يقصد الله مسّ الإيقاض بسبب الغفلة، ولا نقصد به مسوس المرضى على الإطلاق من المؤمنين الذين تؤذيهم مسوس الشياطين بل نقصد مسّ إيقاض، وهو الشيطان الذي يقيّضه الله للإنسان الذي يُعرِض عن ذِكره فيعيش في غفلةٍ عن ذِكر ربّه وقال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿٣٦﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٣٧﴾ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨﴾} صدق الله العظيم [الزخرف].
ولذلك قال الإنسان لقرينه الشيطان : {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}.
وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [ق].
اللهم قد بيَّنت اللهم فاشهد، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين ..
مُعلِّم البيان الحقّ للقرآن بالقرآن؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني .
____________________