الإمام المهدي ناصر محمد اليماني
______________
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ}
صدق الله العظيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسَلين وآلهم الطيّبين والتابعين لهم إلى يوم الدين ولا أُفرّق بين أحدٍ من رسله وأنا من المسلمين..
أحبّتي في الله، لقد أُلقِي إلينا سؤالٌ من أحد عباد الله المكرمين يطلب فيه البيان للبرهان الذي رآه يوسف بالحقِّ في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ} صدق الله العظيم [يوسف:24].
ومن ثمّ يردّ عليه الإمام المهدي بالبيان الحقّ لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ} صدق الله العظيم، فحتّى نعلمُ البرهان الحقّ لا شكّ ولا ريب فلا بدّ أن نبحر سويّاً في القرآن لنأتي بالبيان الحقّ لهذه الآية ونُفَصِّله تفصيلاً بالحق.
أولاً: نبحث سوياً عن البيان الحقّ لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا}، فهل هو كما يقول بعض المفسّرين أنّ نبيّ الله يوسف قد همَّ بها فبدأ في عناقها؟ ومنهم من يقول أنّه جلس بين شعبتيها! والله المستعان على ما يصفون، ولسوف يترك الإمام المهديّ الردّ لامرأة العزيز مباشرةً من محكم الكتاب: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} صدق الله العظيم [يوسف:32]، وكذلك نترك ردّ البراءة من النسوة وامرأة العزيز ليُلقين بشهادتهن بالحقِّ مع بعضهن: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} صدق الله العظيم [يوسف:51].
إذاً يا قوم لقد شهدت النسوة بالحقِّ وأنهنّ لم يشهدن عليه من سوءٍ، ومن ثمّ زكّت شهادتهن امرأة العزيز وشهدت امرأة العزيز أنّه لمن الصادقين، ومن ثم تبيَّن لكم بالحقِّ أنّ يوسف ليس أنّه هو من همّ بها فبدأ بالاستجابة لطلبها أو جلس بين شعبتيها! والله المستعان على ما يصفون.
وتبيَّن لكم أنّ رسول الله يوسف عليه الصلاة والسلام إنّما همَّ بها في نفسه أن يُجيب طلبها ولم يبدِهِ لها بعد لكونه لا يزال يقاوم نفسه ليمنعها عن الهوى حتى وصل برهان الربّ إلى القلب؛ ذلكم نورٌ توجل به القلوب فتثبت على الحقّ؛ يؤيّد الله به من أناب إليه من حزبه فيؤيّدهم بروح منه، تصديقاً لقول الله تعالى: {أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} صدق الله العظيم [المجادله:22].
وتلك الروح هي حقيقة اسم الله الأعظم؛ ذلكم رضوان الله على عبيده إذا تنزَّلت في قلوبهم روح الرضوان فلا يستطيع فتنتهم إنسٌ ولا جان؛ ذلكم روح التثبيت لقلوب المؤمنين إذا أيَّدهم الله بروح منه شرح الله بها صدورهم وترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحقّ سُبحانه وتعالى علوَّاً كبيراً.
ويؤيد الله بها المنيبين إليه من حزبه ليثبّت قلوبهم كما أناب إلى ربّه رسول الله يوسف عليه الصلاة والسلام حين همّ في نفسه أن يُجِيب طلبها لولا أنّه أناب إلى ربّه ليثبِّت قلبه فاستجاب له ربّه وصرف قلبه عن السوء والفحشاء، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
وتبيَّن لكم إنّما برهان الربّ هو روح الرضوان يُلقيه إلى قلب حزب الله المنيبين المُخلصين، تصديقاً لقول الله تعالى: {أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} صدق الله العظيم، وذلك هو برهانٌ لحقيقة رضوان الله الربّ يلقي به إلى القلوب المبصرة للحقّ فيشرح الله بنور الرضوان صدورهم فترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحقّ، والحقّ هو الله سبحانه وتعالى علوَّا كبيراً.
ألا والله الذي لا إله غيره لا يعرف الله فيقدِّره حقّ قدره إلا الذين أيَّدهم الله بروح رضوان الله عليهم فيشعرون بسعادة وسكينة وطمأنينة لا يساويها أي نعيم؛ ذلكم بأنّ رضوان الله هو النّعيم الأعظم؛ ذلكم برهان الربّ يلقيه إلى القلب ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
وكذلك رسول الله يوسف عليه الصلاة والسلام إنّما أناب إلى الربّ حين شعر أنّه بدأ يضعف وهمَّ بها في نفسه وهو لذلك لمن الكارهين ولا يزال يقاوم نفسه ولم يبدِ ضعفه لامرأة العزيز التي قد صار همّها به ظاهرياً وهو همَّ بها في نفسه فقط ولم يبدِ ذلك لها، وإنّما علَّمنا به الله كما عَلِمَه في نفس عبده يوسف عليه الصلاة والسلام وعلم الحزن في قلب عبده كونه همَّ في نفسه أن يُجيب طلبها باطن الأمر برغم أنّه ظاهر الأمر لا يزال يحاجِج امرأة العزيز ويقول لها: {قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} صدق الله العظيم [يوسف:23].
حتى إذا شاع الخبر عن امرأة العزيز ويوسف عليه الصلاة والسلام، وبدأت تذمّها نسوةٌ في المدينة: "إذاً كيف تتنازل لمراودة فتاها وهي امرأة العزيز؟!". ومن ثم دعتهنّ امرأة العزيز إلى زيارتها وضيافتها فأجبْنَ طلبها، وآتت كلَّ واحدةٍ منهنّ سكِّينَا وفاكهة ليِّنة، فأمرته أن يخرج عليهنّ ليعلم النسوة والعالمين أنّها ليست من الذين يتَّبعون الشهوات ولكنّها فُتِنَت بجمالٍ عظيمٍ، فلما رأته النسوة شاهدن جمالاً عظيماً لم ترَ أعينهن قطّ مثله في الحياة، فقطَّعن أيديهن من غير شعورٍ لهول ما يُشاهدن من هذا الجمال الذي ما قطُّ شاهدنه في بشرٍ يمشي على وجه الأرض، ومن ثمَّ أنكرن أن يكون يوسف من فصيلة البشر، وقلنّ: {حَاشَ لِلَّـهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} صدق الله العظيم [يوسف:31].
ومن ثم تبسّمت امرأة العزيز ضاحكة لما حدث للنسوة فقد شُغفن بحبّ يوسف جميعاً، ثم قالت امرأة العزيز: {فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} صدق الله العظيم [يوسف:32].
ولما شاهد يوسف النسوة قد شغفن جميعاً بحبّه ولم تعد امرأة العزيز إلا واحدةً من اللاتي شغفن بحبّ يوسف عليه الصلاة والسلام ومن ثم أناب إلى ربّه وقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٣﴾ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
فلا يزال رسول الله يوسف عليه الصلاة والسلام منيباً إلى ربّه ويتذكر أنّه قد همَّ بامرأة العزيز في نفسه، ويخشى لئن طالت المراودة له عن نفسه أن يُجيب طلبهن، ولذلك أناب إلى ربّه وقال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٣﴾ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم.
وتبيَّن لكم برهان ربّه أنّه نور رضوان نفس ربه يُلقيه إلى قلوب حزبه ليثبَّت به قلوبهم، تصديقاً لقول الله تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾} صدق الله العظيم [المجادلة].
ذلكم هو برهان رضوان نفس الرحمن يا معشر الإنس والجان، ألا والله الذي لا إله غيره إنَّ الذين علموا علم اليقين أنّني المهديّ المنتظَر الحقّ من ربهم أنَّ الله يؤيدهم بروحٍ منه حتى لا يستطيع فتنتهم شيءٌ عن برهان ربّهم (حقيقة اسم الله الأعظم) وإنّا لصادقون وهم على ذلك لمن الشاهدين، بل ذلك هو البرهان لصدق دعوة المهديّ المنتظَر إلى عبادة رضوان الله غايةً وليس وسيلةً ليدخلهم جنّته، ذلك لأنّ نعيم رضوان الله على عباده هو نعيم أكبر من نعيم الجنة، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم [التوبة]، ذلكم البرهان الأكبر لحقيقة وجود ربّهم هو برهان رضوان الرحمن يجدونه نعيماً أعظم من نعيم جنة النّعيم التي عرضها كعرض السماوات والأرض، ويدرك ذلك الذين علموا حقيقة هذا البرهان في قلوبهم فأبصرت الحقّ لا شكّ ولا ريب وهم على ذلك لمن الشاهدين، وذلك هو البرهان في محكم حقيقة رضوان الرحمن يلقيه الله إلى قلوب حزبه ليصرف به عنهم السوء والفحشاء، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم [يوسف]، وتبيَّن لكم أنّ برهان الربّ كان متعلّقاً بالقلب، لذلك قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم.
وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ للهِ ربّ العالمين ..
أخوكم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
________________